مجتمع
المغرب وإسرائيل.. تعاون اقتصادي وعسكري غير مسبوق نحو تحالف أقوى وآفاق جديدة
دخلت العلاقات بين المغرب وإسرائيل، في مرحلة متطورة من التعاون المتبادل بين البلدين، على المستوى السياسي والاقتصادي والعسكري، بعد عودة العلاقات بين الجانبين، وإعلان إسرائيل موقفها الصريح من قضية الصحراء المغربية.
ومنذ استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، تعرف العلاقات المغربية الإسرائيلية، تطورا هاما، وهو ما برز من خلال الزيارات التي قام بها مسؤولون سياسيون وعسكريون إلى المغرب، إلى جانب التوقيع على عشرات الاتفاقيات بين الرباط وتل أبيب تشمل مجالات متعددة.
بداية الشراكة
كان يوم الثلاثاء 22 دجنبر 2020، يوما تاريخيا بالنسبة للعلاقات المغربية الإسرائيلية، حينما جرى التوقيع بين الرباط وتل أبيب وواشنطن، بالعاصمة المغربية، على اتفاق ثلاثي بمثابة خارطة طريق ستشتغل عليها الدول الثلاث.
وقبل ذلك، أعلن يوم 10 دجنبر من نفس العام، الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، اعتراف الدولة الأمريكية بمغربية الصحراء، وسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، وهو موقف تاريخي شكل انتصارا مهما للدبلوماسية المغربية، بقيادة الملك محمد السادس، لصالح القضية الوطنية الأولى.
وبعد قرابة 3 سنوات، من التوقيع على اتفاق ثلاثي بين المغرب وإسرائيل وأمريكا، قررت إسرائيل الاعتراف رسميا بمغربية الصحراء، وهو الموقف الذي جاء الكشف عنه ضمن رسالة بعثها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى الملك محمد السادس، يوم 17 يوليوز 2023.
وحينها، أكد نتنياهو، أن موقف بلاده “سيتجسد في كافة أعمال ووثائق الحكومة الإسرائيلية ذات الصلة”، مضيفا أنه سيتم “إبلاغ الأمم المتحدة، والمنظمات الإقليمية والدولية التي تعتبر إسرائيل عضوا فيها، وجميع البلدان التي تربطها بإسرائيل علاقات دبلوماسية” بهذا القرار.
دعوة ملكية لفتح آفاق جديدة
دعا الملك محمد السادس رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى زيارة المملكة المغربية، في رسالة جوابية أرسلها الملك إلى المسؤول الإسرائيلي، عقب قرار تل أبيب الاعتراف بسيادة المغرب على الأقاليم الجنوبية، وهي الزيارة التي “ستفتح آفاقا جديدة للعلاقات الثنائية بين البلدين”، بحسب الرسالة الملكية.
ومن المقرر أن يزور نتنياهو المملكة، ضمن جولة خارجية خلال الفترة الممتدة من شتنبر إلى دجنبر المقبل، ستقوده إلى خمسة بلدان على الأقل، هي: اليونان وقبرص وتركيا والمغرب والإمارات العربية المتحدة”، وفقا لما ذكرته تقارير صحفية عبرية.
وفي وقت سابق من ذلك، زار رئيس البرلمان الإسرائيلي “الكنيست” أمير أوحانا، المغرب خلال شهر يونيو 2023، فيما حل بالمملكة عدد من المسؤولين الإسرائيليين لتعميق التعاون الاقتصادي والعسكري بين البلدين.
تعاون عسكري
يعود التعاون العسكري بين المغرب وإسرائيل، إلى عقود، إذ أقام البلدان علاقات دبلوماسية في أوائل التسعينيات، قبل أن ينهيها المغرب في بداية الانتفاضة الفلسطينية الثانية في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
واتفق المغرب وإسرائيل، حسب بيان صدر عن القوات المسلحة الملكية المغربية يوم الثلاثاء 17 يناير 2023، على ”تعزيز هذا التعاون وتوسيعه ليشمل مجالات أخرى، بما في ذلك الاستخبارات والدفاع الجوي والحرب الإلكترونية”.
وجاء ذلك عقب ترؤس المفتش العام للقوات المسلحة الملكية الفاروق بلخير ومدير مكتب الشؤون السياسية العسكرية بوزارة الدفاع الإسرائيلية درور شالوم، بالرباط، الاجتماع الأول للجنة تتبع التعاون المغربي الإسرائيلي في مجال الدفاع.
وخلال شهر نونبر 2021 وقع وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس، مع الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بإدارة الدفاع الوطني، عبد الطيف لوديي، على مذكرة تفاهم دفاعية، لتقوية التعاون العسكري بين الجانبين.
ومن ثمار هذا التعاون، كشفت تقارير صحفية عبرية، الشهر الجاري، أن المغرب بدأ في استلام أول الشحنات من نظام الدفاع الإسرائيلي “باراك إم إكس” (Barak MX) خلال الصيف الجاري، ليصبح المغرب واحدا من الدول القليلة التي تمتلك مثل هذه التكنولوجيا المتقدمة.
وشهر يوليوز 2023 أعلن بيان للجيش الإسرائيلي، أن رئيس هيئة الأركان العامة هرتسي هاليفي، قرر تعيين شارون إيتاح، كملحق عسكري أول في المملكة المغربية، وهي الخطوة التي جاءت تتويجا لعدة خطوات، تجسدت بزيارة كبار القادة العسكريين وإجراء عدد من التدريبات المشتركة كان آخرها، الأسد الإفريقي، بمشاركة قوات النخبة بالجيش الإسرائيلي على أرض المغرب، بما في ذلك الصحراء المغربية.
شراكات اقتصادية
بالموازاة مع الجانب العسكري، ترتبط الرباط اقتصاديا مع إسرائيل، في خضم التطور الإيجابي للعلاقات بين الجانبين، الأمر الذي جعل الطرفين يوقعان على اتفاقيات مهمة لتعزيز التعاون الاقتصادي.
ووقع رياض مزور، وزير الصناعة والتجارة، خلال شهر مارس 2022، مع شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية (IAI)، على اتفاقية في قطاع صناعة الطيران، تهدف إلى تعزيز التعاون الثنائي والاستثمارات المشتركة، بحيث تشمل أنشطة الابتكار والصيانة والتحول.
وقبل ذلك، وقع مزور على اتفاقية تجارية مع وزيرة الاقتصاد الإسرائيلية، أورنا باربيفاي، لتسهيل الاستثمارات، إذ أكدت المسؤولة الإسرائيلية بالمناسبة، أن بلادها تتطلع إلى زيادة التعاملات التجارية مع المغرب من 131 مليون دولار حاليا إلى 500 مليون دولار “قريبا”.
وارتفع حجم التبادل التجاري، البضائع والخدمات، بين إسرائيل والمغرب خلال سنة 2021 بأكثر من 6 في المائة، ووصل إلى أكثر من 90 مليون دولار، إذ قفز حجم التبادل التجاري المباشر بين البلدين بنحو 84 في المائة، ووصل إلى حوالي 42 مليون دولار، وفقا للمعطيات الصادرة عن وزارة التعاون الإقليمي الإسرائيلية.
ووفقا للوزارة، فقد زاد حجم التصدير للمغرب عام 2021 بنحو 147 في المائة، ووصل إلى حوالي 31 مليون دولار، وتركز بالأساس في فروع: الطائرات ومعدات النقل (حوالي 61 في المائة)، المنتجات الكيميائية (15 في المائة)، ومنتجات البلاستيك والمطاط (14 في المائة)، فيما من المنتظر أن يصل التصدير نحو المغرب إلى حوالي 250 مليون دولار في السنة.
تأثير اليهود المغاربة
علاقة بالشراكة القوية، بين المغرب وإسرائيل، أكد المحلل السياسي والأستاذ بجامعة محمد الخامس بالعاصمة الرباط، محمد اشتاتو، أن اعتراف إسرائيل بمغريبة الصحراء لن يؤدي إلى تعزيز العلاقات المغربية الإسرائيلية الواعدة وتشجيع دول العالم الإسلامي الأخرى على استئناف العلاقات مع تل أبيب فحسب، بل سيسمح أيضا بعقد قمة النقب في المغرب شهر شتنبر 2023.
وأورد اشتاتو، ضمن مقال تحليلي له، نشر يوم أمس الخميس، بموقع “Eurasia Review“، أن اليهود المغاربة، الذين كانوا موجودين في البلاد منذ 2500 عام، حافظوا على علاقات وثيقة مع قيادتها حتى خلال الفترات التي لم تكن فيها علاقات مع إسرائيل.
ونبه المحلل المغربي، إلى أن الجالية اليهودية في البلاد، التي قدرت بـ000 300 ألف خلال الخمسينيات من القرن الماضي، فإن عددها اليوم يصل إلى 3000 فقط، لكنها مؤثرة جدا في السياسة والأعمال، وتحظى باحترام كبير من قبل السكان المسلمين، لافتا إلى أن مستشار الملك محمد السادس، أندريه أزولاي، من اليهود المغاربة.